يستدعي تحليل أغلب الأعمال الفنية لفان كوخ البحث عن التقنيات والثيمات المُستعارة في تجربته برمتها من أجل الوقوف على المحرضات والدوافع الحقيقية التي حفزته على إنتاج كل عمل فني على انفراد. وهذه المرجعيات المُستعارة لم تقتصر على حقبة زمنية بعينها، بل امتدت معه حتى الأيام الأخيرة من حياته القصيرة جداً ” 1853-1890 ” ولتأكيد صحة ما نذهب إليه سنحاول أن نسلط الضوء على لوحة ” آكلو البطاطا ” التي شرع في رسمها عام 1884-1885، بعد أن استغرقته جهداً، وتأملاً كبيرين. وهذه اللوحة موجودة الآن في متحف فان كوخ في أمستردام. وقد مرّت هذه اللوحة بعدد كبير من المراحل، بدءاً من التخطيطات التمهيدية، مروراً بالتكوين التشكيلي، وتغيير الفيكرات، وانتهاءً بطبيعة الثيمة والتقنيات التي تعود إلى مرجعيات نعتقد أنها مستعارة من مصادر عديدة سنتوقف عندها قبل الخوض في تفاصيل هذا العمل الفني الكبير الذي لا يخلو من بعض الهنّات التي سببت للفنان حرجاً كبيراً، وحرّضت النقاد على كتابة دراسات نقدية تنطوي على آراء حادة، لاذعة عكرّت مزاج فان كوخ مدة من الزمن. يتفق النقاد التشكيليون على أن المؤثرات الجدية في تجربة فان كوخ الفنية يمكن إجمالها بمحورين: الأول، محلي، وينحصر بحدود ” مدرسة دنهاخ ” الفنية. والمحور الثاني، عالمي، ويمكن إحالته إلى أربعة مصادر وهي: ” الفنان الفرنسي جان- فرانسوا ميلليه ” 1814-1875 “، والكاتب الفرنسي أميل زولا ” 1840- 1902 “، والرسم الصيني، والانطباعية، وبالذات التنقيطية، جورج سيورا ” 1859- 1891 ” وبول سيناك ” 1836- 1903 “، وبول غوغان ” 1848- 1903 “. إضافة إلى آراء ونظريات بعض الكتاب التي وجدت صدى في نفس فان كوخ فتبناها، وطبقها في بعض أعماله الفنية. ولا يمكن الإحاطة بكل هذه المؤثرات المحلية والعالمية في هذا المقال، ولكننا سنركز على الآراء الضرورية المتعلقة بلوحة ” آكلو البطاطا ” وسنشير إلى المؤثرات المحلية والعالمية بشكل مقتضب يتساوق مع طبيعة المقال وحجمه.